الاثنين، 1 يوليو 2013

كيف حول سكولاري تشافي وإنيستا إلى نقطة ضعف المنتخب الإسباني



على الرغم من أن كأس القارات كقيمة جماهيرية وإعلامية
لا يمكن مقارنتها مع كأس العالم أو كأس الأمم الأوروبية
إلا أن مباراة البرازيل وإسبانيا كانت مباراة مثيرة للإهتمام
لأن صاحبة الضيافة مع جارتها اللدودة الأرجنتين
هما أبرز منتخبين لم يلعبا بشكل رسمي مع إسبانيا صاحبة السيادة الكروية
منذ فوزها بكأس الأمم الأوروبية صيف 2008
وبالتالي كان من المشوق إختبار قدرات كرة القدم الإسبانية
أمام عملاق من عمالقة كرة القدم العالمية
وفي ملعب تاريخي مثل استاد ماراكانا

وبالنظر إلى مسيرة الفريقين في البطولة كنتائج ومستويات
كانت كل العوامل متوفرةً لمشاهدة وجبة كروية دسمة جدا
وإن كان فيليب سكولاري قد قدم نفسه للعالم في مونديال 2002
عبر طريقة 3-5-2 مدعوماً بإمبراطورية الـ(R) ذائعة الصيت حينها
فإنه كذلك أحد أهم المراجع الكروية في طريقة 4-2-3-1
التي نجح بفضلها بالوصول بالمنتخب البرتغالي إلى أدوار متقدمة
لم يصل يوماً ما لما هو أبعد منها طوال تاريخه

البرازيل مع سكولاري في العهد الجديد
أظهرت الوجه الحسن لهذه الطريقة التي تتميز بالمرونة العالية
فهي مثالية للأداء الهجومي أمام منافسين مثل اليابان والمكسيك
ومتحفظة وذكية في مواجهة عملاق مثل المنتخب الإسباني
وفي المباراة النهائية كان سكولاري ذكياً للغاية
وهو يتعلم من دروس يوب هاينكس وجوزيه مورينيو
اللذان قدما نماذجاً ناجحة للحد من خطورة كرة الـ "تيكي تاكا"
التي يُعرف بها الإسبان عموماً وبرشلونة على وجه الخصوص



خطة سكولاري كانت تعتمد على تقسيم الملعب عرضياً
إلى ثلاثة أقسام متماثلة الطول والمساحة
ثلث دفاعي للإسبان وثلث دفاعي للبرازيليين ومنطقة مشتركة في وسط الملعب
ولكن قبل الحديث عما فعلته البرازيل وفقاً لهذا التقسيم
علينا أولاً أن نتحدث عن إسبانيا في هذه البطولة

في نهائيات كأس العالم وكأس أمم أوروبا الماضية
لعبت إسبانيا 13 مباراة رسمية كانت فيها جميعاً
تبدأ المباراة بثلاثي الوسط بوسكيتس – تشافي – ألونسو
وفي نظر الكثيرين يعتبر هذا الثلاثي أحد المقدسات
التي لا يحاول ديل بوسكي أن يمسها بأي تغيير
لكن إصابة تشابي ألونسو التي غيبته عن هذه البطولة
أجبرت ديل بوسكي على القيام بتغيير جوهري
عبر إدخال إنييستا ضمن هذا المثلث عوضاً عن كونه لاعب جناح

مثلث بوسكيتس – تشافي – إنييستا
واقعياً سيقود إسبانيا لـ اللعب وفق نظام برشلونة التكتيكي
الذي يرتكز على هذا المثلث المميز في خط الوسط
لكن في برشلونة هناك لاعب لديه أربع كرات ذهبية
والأهم من ذلك أنه يسجل ما يفوق الـ60 هدفاً كل موسم
و نظرياً قبل أن يكون واقعياً لا يمكن الوثوق بفكرة إستنساخ أسلوب لعب
يغيب عنه أهم مفاتيحه والعنصر الأكثر تأثيراً فيه

سكولاري أدرك هذه النقطة الجوهرية بشكل مبكر
وزاده تأكيداً معاناة الإسبان في نصف النهائي أمام إيطاليا
ذلك أن تشافي وإنييستا لا يبدوان بنفس الخطورة ونفس الفاعلية
دون ميسي الذي يشكل خيارهما المفضل في التمرير للأمام
عوضاً عن الكثير من التمريرات بعرض الملعب
 والتي لا تشكل خطراً ولا تصنع أهدافاً في الغالب

(تنظيم البرازيل عند إنطلاق الهجمة عبر تكوين خط دفاع ثلاثي)


وبالعودة إلى تقسيم ملعب المباراة
فإن سكولاري فضل اللعب متراجعاً في مناطقه الدفاعية
وبالتالي ترك لإسبانيا حرية اللعب في ثلثها الدفاعي
وهو ما جعل إسبانيا تلعب بدفاع عالي يصل إلى خط منتصف الملعب أحياناً
كما أنه استخدم مبدأ الضغط الخفيف من قبل فريد وأوسكار
في منطقة منتصف الملعب المشتركة بين الفريقين
وبقي ينتظر إسبانيا في نصف الملعب الخاص بالبرازيل

( تشافي طليقاً في خط الوسط دون رقابة ولاعبي البرازيل يفضلون الإنتظار في الخلف)


تلك مغامرة كبيرة من سكولاري
لكنه كان يعرف جيداً ما يحاول القيام به
فظهيري الجنب مارسيلو و داني ألفيس
يقومان بمنع أي تحركات للداخل من قبل بيدرو وخوان ماتا
وكذلك يعمل هالك ونيمار على إجبار ظهيري إسبانيا
على اللعب في مناطق متأخرة كونهما مجبرين على مراقبتهما
وبالتالي يجد تشافي وإنييستا نفسيهما طليقين في خط الوسط
دون ضغط مباشر ودون رقابة لصيقة ولكن دون خيارات للتمرير !

( تشافي طليقاً في منطقة أكثر تقدماً في الوسط ولكن دون خيارات تمرير للأمام)


بايرن ميونخ وحتى ميلان طبقا نفس الفكرة
ولكن عبر تكثيف المراقبة على ميسي ومنعه من إستلام أي كرة
بينما هنا كانت مهمة سكولاري أسهل بكثير
لأن فيرناندو توريس لا يشابه ميسي في المهارة أو في الإحتفاظ بالكرة
وبوجود مدافعين صلبين للغاية مثل تياجو سيلفا وديفيد لويز
يمكن الإطمئنان تماماً أن مهاجم تشيلسي لن يخلق المشاكل لدفاعات البرازيل

تشافي لمس الكرة 96 مرة مقابل 92 لتوأمه إنييستا
وهنا نتحدث عن 188 لمسة للكرة لا تشكل خطراً على المنافس
وهو ما أراد له سكولاري أن يحدث
لأنك لن تتمكن من حرمان هذا الثنائي من الكرة
لكن بإمكانك أن تحرمهما من خياراتهما المفضلة للتمرير

وحتى الحلول الفردية لتجاوز هذه الكماشة لم تكن عملية
لأن الثنائي باولينيو ولويس جوستافو قاما بإجهاض الكثير من تلك العمليات
وفي المجمل قام هذا الثنائي بإرتكاب 8 أخطاء مباشرة
و 7 حالات إعتراض للكرة و4 إنزلاقات صحيحة على الكرة
معظمها في منطقة عمق الوسط أمام ثنائي الدفاع مباشرة
بمجموع 19 حالة إجهاض للهجمات الإسبانية
من قبل لاعبين فقط في عمق وسط المنتخب البرازيلي !


(تنظيم البرازيل عند بداية الهجوم . . لاحظ موقع تشافي وإنييستا)

هجومياً سكولاري لعب بأسلوب مشابه لأسلوب يوب هاينكس
الهجمة تبدأ من الخلف عبر تشكيل ثلاثي دفاع مكون من قلبي الدفاع ولاعب إرتكاز
وهو ما يمنح ظهيري الجنب فرصة التقدم لخط المنتصف تقريباً
وبالتالي يجبران ماتا و بيدرو على العودة للخلف بشكل واضح
كما أن ثلاثي الهجوم هالك وفريد ونيمار يثبتان خط الدفاع في الخلف
ما يجعل إسبانيا عاجزة عن ممارسة الضغط العالي بنفس الجودة
وبالتالي يكون للبرازيليين وقت أطول لتحضير الهجمة
وخيارات أكثر أماناً للتمرير للخلف أو عبر الأطراف

وفي مثل هذه الحالات التي تكون فيها المسافات
متباعدة بين لاعبي البرازيل تكون الكرات الطويلة
هي الحل المثالي للتحول السريع إلى ثلث ملعب إسبانيا الدفاعي
وبالنظر إلى الإحصائيات نجد أن الثلاثي (لويز – سيلفا – جوستافو)
المسؤول عن تشكيل خط الدفاع الثلاثي الذي سبق الحديث عنه
قاموا بتمرير 20 كرة طويلة في المباراة
في حين أن جميع لاعبي إسبانيا – باستثناء كاسياس –
مرروا 26 كرة طويلة فقط طوال المباراة

إسبانيا كانت مجبرة وفق هذه الظروف
وهذا التنظيم البرازيلي مع إنطلاقة كل هجمة
أن تضغط عبر الثلاثي تشافي , إنييستا و توريس
وهو الثلاثي الأقل قدرة على الدفاع من بين عناصر المجموعة
وهو الفخ الذي نجح سكولاري في جرّ الإسبان إليه

(ثلاثي وسط إسبانيا يقوم بالضغط في منطقة متقدمة من الملعب)

(البرازيل تخرج من هذا الضغط وأوسكار وحيداً في مساحة كبيرة فارغة)


وبالنظر إلى كرة الهدف الثاني نجد أن بوسكيتس
تجاوب مع ضغط زميليه على وسط البرازيل في منطقة متقدمة
فتقدم بدوره لتضييق المساحة على لاعب منافس
ومن أول كرة ينجح فيها وسط البرازيل من الخروج من الثلاثي
وجد أوسكار نفسه طليقاً في مساحة شاسعة في خط الوسط
فتبادل هو ونيمار الكرات دون أدنى مضايقة
حتى سنحت لنيمار فرصة التسديد من مكان مناسب



نفس المشهد تكرر في الهدف الثالث للمنتخب البرازيلي
حين دخل مارسيلو للعمق ليقطع الكرة من أمام تشافي
وفي ظل ضغط سيء من قبل تشافي إنييستا وبوسكيتس
كانت تمريرة مارسيلو كافية لتجعل 4 مهاجمين برازيليين
في مواجهة رباعي خط الدفاع الإسباني
ومن ثم حصول البرازيل مرة أخرى على فرصة مثالية
للتصويب على مرمى إيكر كاسياس

وبشكل عام فإن سكولاري نجح تماماً
في قيادة المباراة وفق الطريقة التي أرادها
مستفيداً من تسجيل فريقه لهدف مبكر
جعل لاعبيه يلعبون براحة أكبر وثقة أعلى بالنفس
في واحدة من أجمل الدروس التكتيكية
التي يمكن مشاهدتها خلال السنوات الأخيرة

خسارة إسبانيا لنهائي كأس القارات
ومن قبل ذلك خسارة برشلونة بنتيجة ثقيلة أمام بايرن ميونخ
فتحت باب التساؤلات حول مدى فعالية الـ "تيكي تاكا"
وهل أصبحت فلسفة الإستحواذ على الكرة
تعيش عصراً مختلفاً عن ذلك الذي أحكمت فيه قبضتها
على كبرى البطولات للأندية والمنتخبات !

ختاماً . .
وبصفة شخصية لا أجد حرجاً في الإعتراف أنني كنت مخطئاً
حين تحدثت بداية البطولة عن أن غياب ألونسو
سيكون مفتاح إسبانيا لتقديم كرة قدم أفضل وأكثر هجومية

ذلك كله لم يحدث ,غياب ألونسو بدى مؤثراً
وديل بوسكي أخطأ بمحاولة إستنساخ طريقة لعب برشلونة
لأنه لا يمتلك ميسي أولاً ولأنه شاهد بنفسه
كيف أن هذا الأسلوب وبوجود ميسي ( ذهاباً )
سقط بشكل واضح أمام بايرن ميونخ قبل شهرين
لكن تبقى كأس القارات بروفة أو تجربة حقيقية
سيستفيد منها ديل بوسكي قبل أن يعود للبرازيل مجدداً
ليحاول الفوز بموندياله الثاني الصيف القادم !


هناك 4 تعليقات:

  1. رائع يا نزار كالعادة .. ملك الجوانب التكتيكية ..

    بالنسبة لي طريقة سكولاري هي طريقة مطورة لما بدأه مورينهو في كيفية إيقاف هذا الأسلوب بالضغط العالي على دفاع برشلونة .. لكن هُناك كان الأمر مُختلف حيث نرى خط دفاع ريال مدريد عند منتصف الملعب وجميع لاعبي البارسا في منطقتهم ( مُختنقين ) يحاولون إخراج الكرة ..

    نفس الفكرة طبقها الألمان في البايرن مع برشلونة لكن بجودة مُختلفة لوجود أظهرة عصرية ، بالنسبة لي أهم نقاط القوة حالياً لأي فريق أو تحديداً لإيقاف هذا الأسلوب الذي يعتبره البعض الأقوى أو سيطر لفترة معينة هي أن تملك ظهيريين سريعين قادرين على التقدم بفعالية إلى الأمام بسرعة والعودة سريعاً ..
    شاهدنا لام و آلابا في البايرن ..

    نعود للبرازيل و إسبانيا ، نفس الفكرة الرئيسية تُطبق وهي الضغط في مناطق الخصم مستغلاً سرعة الحركة لدى لاعبينك و ثقل ( مُطبقي التيكي تاكا ) .. البارسا بسرعة ميسي و بيدرو و ضعف الجهة اليمنى لريال مدريد نرى أحياناً بإمكانهم الخروج بكرة طويلة ومع خطة كسر التسلل لمورينهو بإمكانهم الإنفراد ، الآن البرازيل مثل ماذكرت انت تركت تشافي و إنييستا في الوسط وحيدين ، ليس بين غوستافو و باولينهو .. بل بين مارسيلو و باولينهو و غوستافو و آلافيس اذا نظروا للأمام ، واذا حاولوا العودة للخلف هُناك أوسكار و نيمار و هالك ، لو تخيلتها سترى وكأن سكولاري ( طوق بدائرة ) تشافي و إنييستا بهؤلاء الاعبين و منع خيارات التمريرة جميعها ، وجعلهم يسيرون بحرية في هذهِ الدائرة الضيقة ..

    وكما ذكرت أنت و لان ديل بوسكي حاول إستنساخ طريقة البارسا في النهائي وعدم وجود ميسي ( من يعود ليفتح الدائرة ) ووجود توريس التائه في الهجوم .. شاهدنا ضياع كبير للإسبان في بناء الهجمة وسهولة خسارة الكرة ! ..


    في نظري أسلوب التيكي تاكا يحتضر كلما زاد عدد الأظهرة العصريين في العالم وسعت الأندية خلفهم .. فـ زمن ظهير دفاعي وظهير هجومي إنتهى .. تحتاج لظهيريين عصريين لتفرض سيطرتك على الوسط ..



    تحياتي ..
    محمود مجيد ..

    ردحذف
  2. من أجمل التعليقات التي قرأتها .. جميل جداً يا محمود
    وردك لوحده موضوع تكتيكي مستقل

    ردحذف
  3. تعتقد ان ديل بوسكي اخطأ في عدم ادخال مارتينيز بدل الونسو وبالتالي المحافظة على نفس خطته القديمة ؟

    ردحذف
    الردود
    1. مارتينيز مكان ألونسو ممكنة نظرياً لكن يصعب على الباسكي أن يقوم بأدوار تشابي ألونسو
      ربما وجب على ديل بوسكي أن يجرب شيئاً جديداً كاللعب بـ٤-٥-١ حقيقية !

      حذف