الأربعاء، 5 أغسطس 2015

نابولي دي لاورنتس .. وضريبة التغيير المستمر !





يتذكر محبو كرة القدم نابولي الإيطالي بسبب الساحر الأرجنتيني دييجو مارادونا و بسبب نجاحاته في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي ، لكن تلك الفترة الزاهرة لم تلبث طويلاً حيث تراجع النادي الجنوبي حتى وصل به الحال للإفلاس والهبوط لدرجات متدنية من دوري كرة القدم الإيطالية


وفي بدايات القرن الجديد عاد نابولي للحياة مجدداً بفضل رئيسه أوريليو دي لاورنتس الذي قاد الفريق السماوي لدوري الدرجة الأولى حيث ينتمي نابولي وحيث يحب أي مشجع لكرة القدم أن يراه ، لكن طموح دي لاورنتس لم يقف عند هذا الحد فهو يطمح لإعادة نابولي للفوز بلقب الدوري الأيطالي .. اللقب الذي يعتقد الكثيرون أنه لن يعود للجنوب الإيطالي بعد رحيل مارادونا !


وفي سبيل تحقيق هذا الحلم ، أنفق دي لاورنتس أكثر من ٢٤٢ مليون يورو لتعزيز الفريق بلاعبين مميزين خلال آخر ٤ مواسم (لا تشمل سوق الانتقالات الحالية) ليحقق فارق ٩٠ مليون يورو ما بين شراء لاعبين وبيع آخرين جلبوا للنادي ما يقارب ١٥٠ مليون يورو خلال نفس الفترة 



* جدول يبين فارق البيع والشراء لأندية القمة في الدوري الايطالي خلال المواسم الأربعة الماضية 



هذا الضخ المالي الكبير - قياساً بميزانيات الأندية الإيطالية - كان يحتاج لحسن إدارة رياضية سواء فيما يتعلق باختيار اللاعبين أو باختيار المدربين الذين توكل إليهم مهمة قيادة الفريق وتوظيف عناصره بأفضل طريقة ممكنة


دي لاورنتس جرّب التعامل مع عدة مدربين لكنه حقق البطولات ونافس بشكل جدي على لقب الدوري مع الايطالي والتر ماتزاري والاسباني رافائيل بينيتيز



القاسم المشترك بين ماتزاري وبينيتيز أن كلاً منهما وصل للنادي وهو يحمل فلسفة خاصة ، ماتزاري نجح مع سامبدوريا بطريقة ٣-٥-٢ وأتى ليطبقها مع نابولي الذي كان هو ايضاً قد اعتاد عليها مع إدواردو ريّا و روبيرتو دونادوني ومع تعاقد دي لاورنتس مع ادينسون كافاني نجح ماتزاري في صنع ثلاثي هجوم مرعب مكون من كافاني و لافيتزي و هامسيك أعاد الفريق لدوري أبطال أوروبا وأوصله للمركز الثاني


و مع بينيتيز تحول النادي من أسلوب اللعب بثلاثة مدافعين إلى أربعة مع المدرب الاسباني الذي يعد من أكثر المدربين تمسكاً بطريقة ٤-٢-٣-١ ولأجل ذلك انتدب دي لاورنتس الجناحين خوسيه كايخون ودينس ميرتنز ورأس الحربة الأرجنتيني جونزالو هيجوايين في صيف واحد تجاوز فيه صرف نابولي على شراء اللاعبين حاجز المئة مليون يورو ، لكن ذلك كله لم يكن كافياً  لإيقاف سيطرة يوفنتوس على لقب الدوري الذي يحكم قبضته عليه منذ أربعة مواسم !


ومع تزايد مؤشرات رحيل بينيتيز نهاية الموسم الماضي كان دي لاورنتس يبحث مجدداً عن مدرب جديد يقود الفريق نحو تحقيق أحلامه الكبيرة ، ولأجل ذلك وقع الاختيار على الايطالي ماوريزيو ساري الذي أمضى موسماً واحداً فقط في الدوري الإيطالي الممتاز طوال مسيرته كمدرب !



* من هو ماوريزيو ساري ؟ *




ولد ماوريزيو في نابولي حيث كان والده عاملاً في أحد مصانع المدينة و نشأ ماوريزيو محباً لنابولي ، لعب كرة القدم لكن مسيرته توقفت مبكراً ولم يُعرف اطلاقاً كلاعب كرة قدم ، بعد ذلك عمل في قطاع التدريب إلى جانب عمله كموظف في أحد البنوك حتى بلغ سن الأربعين ليتحول بعدها إلى مهنة التدريب بشكل كامل


مسيرته كمدرب شهدت تنقلاً بين عدة أندية في درجات متدنية من كرة القدم الإيطالية مثل سانسوفينو و بيروجيا و أفيلينو ، حتى مُنح فرصة تدريب إيمبولي والذي كان حينها أحد أندية الدرجة الثانية (Serie B) وفي موسمه الأول حلّ رابعاً ما منحه فرصة لعب مباريات الملحق الذي يلعب بنظام أشبه بنصف النهائي ، ونجح في الفوز على نوفارا ليلعب مباراة فاصلة أمام ليفورنو لكنه خسر في مجموع المباراتين وفقد فرصته في التأهل لدوري الدرجة الأولى


في الموسم التالي ٢٠١٣-٢٠١٤ لم يمر إيمبولي بمعاناة لعب مباريات الملحق حيث نجح في التأهل مباشرة بعد حلوله ثانياً  في الترتيب العام خلف باليرمو بطل دوري الدرجة الثانية ليعود إيمبولي ألى Serie A بعد غياب


وفي موسمه الأول كمدرب في دوري الدرجة الاولى نجح ساري في تجنب الهبوط حيث حلّ ايمبولي في المركز الخامس عشر من أصل ٢٠ فريقاً   




* لماذا ساري تحديداً ؟ *



حين تقرأ تفاصيل مسيرة ماوريزيو ساري كأرقام لن تشعر بأي شيء مثير للاهتمام لكن حين تشاهد مباريات ايمبولي في الموسم الماضي ستشعر بأن هذا الفريق يقف خلفه مدرب لا يشبه بقية المدربين الذين يشرفون على تدريب الأندية المتوسطة والصغيرة


وربما يكون السبب الحقيقي الذي دفع دي لاورنتس للتفكير في ساري هو أنه صاحب فلسفة خاصة ، تماماً مثل ماتزاري و بينيتيز ، حيث تعتمد فلسفة ساري على اللعب بطريقة ٤-٣-١-٢ أو ما يعرف في ايطاليا بـ(الرومبو) وهي طريقة لعب شائعة في ايطاليا على الأقل منذ الألفية الجديدة سبق وأن نجح بها روبيرتو مانشيني مع إنتر و نجح كذلك ماسيمليانو أليجري في تحويل يوفنتوس إليها بعد سنوات من اللعب بـ٣-٥-٢ مع كونتي ليحقق من خلالها لقبي الدوري والكأس ويصل إلى نهائي دوري أبطال أوروبا ، و يعدّ ساري من الأوفياء للرومبو حيث استخدمها  في ١٢٠ مباراة من أصل ١٣٢ مع ايمبولي خلال فترت اشرافه على تدريب الفريق الأزرق !


كذلك يعتمد ساري على المبادرة الهجومية وامتلاك الكرة وتدويرها ، وهو يمثل خلال فترة اشرافه على إيمبولي النسخة الإيطالية لظاهرة وجود أندية أوروبية متوسطة تعتمد اسلوب المبادرة الهجومية والاستحواذ على الكرة بفضل التمريرات القصيرة الدقيقة (رايو فايكانو مع باكو خيمينيز في اسبانيا و سوانزي سيتي مع برندان رودجرز في إنجلترا)


ووفقاً للإحصائيات فإن ايمبولي مع ساري كان سابع أندية الكالتشيو من حيث الاستحواذ على الكرة (٥٢٪) كما أنه كان تاسعها من حيث دقة التمريرات (٨٠٪) كما يملك ايمبولي معدل تمريرات قصيرة يصل إلى ٤٣٥ تمريرة في المباراة وهو معدل لا يتفوق فيه عليه إلا ٥ أندية 


وفي المجمل تمثل هذه الارقام نموذجاً لكرة القدم التي يؤمن بها ساري والتي تعتبر نموذجاً لكرة قدم شجاعة لا نشاهدها إلا نادراً بالنسبة لنادٍ من حجم ايمبولي ، كرة قدم تبحث عن المستوى المتميز بقدر بحثها عن النتيجة ويغلب عند الكثيرين الاعتقاد بأن مدرباً مثل ساري لو وفرت له إمكانات بشرية أفضل لحقق نتائج مبهرة استناداً إلى أسلوب لعبه المميز !


وإلى جانب أسلوب اللعب الذي ينتهجه ساري فهناك سبب آخر يجعله خياراً مناسباً بالنسبة لدي لاورنتس ، فخلال آخر ٢٠ سنة أشرف على تدريب نابولي ٢٥ مدرباً لم يكن من بينهم سوى مدربين اثنين غير ايطاليين ، الأول هو زيدنيك زيمان الذي قد لا يكون ايطالي الجنسية لكنه ايطالي تماماً فيما يتعلق بكرة القدم والآخر هو رافائيل بينيتيز !


العودة لمدرسة المدربين الطليان قد تكون الخيار المناسب لنابولي لأن تجربة المدرب الأجنبي ( بينيتيز ) والتعاقد مع لاعبين من خارج الدوري الإيطالي لم تكن مغرية للاستمرار عليها ، وربما تكون العودة للمدرب الايطالي واللاعبين من داخل الكالتشيو هي السبيل إلى نجاح نادي الجنوب الإيطالي



* ضريبة التغيير *



الخطأ الذي ارتكبه دي لاورنتس حين عيّن بينيتيز خلفاً لماتزاري يكمن في أنه اختار مدرباً بأسلوب مختلف تماماً عن سابقه ، والأكثر سوءاً أن بينيتيز لم يكن من النوع المرن تكتيكياً بحيث يمكن له التكيف مع أسلوب المدرب السابق


هذا التغيير أوجب على نابولي أن يقوم بتغييرات واسعة في صفوفه للتحول من نظام لعب ماتزاري إلى نظام لعب بينيتيز وظهر ذلك بشكل واضح فيما يتعلق بخط الدفاع حيث أجرى الفريق تغييرات واسعة في دفاعه للتحول من خط دفاع مكون من ٣ لاعبين إلى خط دفاع مكون من ٤ لاعبين



و يبين الجدول التالي العناصر الدفاعية التي تم التعاقد معها خلال موسمين فقط مع رافائيل بينيتيز





بينما في هذا الجدول نجد لاعبي الدفاع الذين تم الاستغناء عنهم منذ تعيين المدرب الاسباني




وبالنظر للأرقام فإن خسائر نابولي المادية لم تكن كبيرة في حملة تغيير خط الدفاع لكن الخسارة الحقيقية كانت في تراجع مستوى دفاع الفريق بسبب التغيير المستمر في عناصره حيث تلقت شباك نابولي خلال الموسم الماضي ٥٤ هدفاً في ٣٨ جولة بمعدل يقارب الهدف والنصف في كل مباراة وهو أسوأ معدل للأندية التي تقع في النصف الأعلى من جدول ترتيب الدوري 


وبسبب هذه المعاناة الدفاعية فقد نابولي فرصة التأهل لدوري أبطال أوروبا بعد تلقيه لـ١١ هدفاً في آخر ٤ مباريات  من بينها ٤ أهداف سجلت بواسطة لاتسيو الذي خطف المركز الأوروبي في الجولة الأخيرة من قلب ملعب سان باولو !





دي لاورنتس كرر خطأه مرة أخرى ، واستبدل بينيتيز بمدرب مختلف تماماً من حيث طريقة اللعب ، ففي حال أصر ساري على اللعب بطريقة ٤-٣-١-٢ كما هو متوقع فإن ذلك يعني عدم وجود لاعبي جناح في خط الوسط وهو ما قد يجبر النادي على الاستغناء عن بعض لاعبي الجناح الموجودين حالياً



الجدول التالي يضم لاعبي الجناح المتواجدين حالياً في قائمة نابولي كما يشير إلى تكلفة انتقال كل منهم بالإضافة للقيمة السوقية التقديرية وفقاً لموقع transfermarkt الخاص بانتقالات اللاعبين




وحتى الآن يبدو ساري على الطريق لتغيير خط وسط نابولي حيث أتم التعاقد مع الإيطالي ميركو فالديفيوري الذي كان رمانة خط وسط ايمبولي ومحوره الدفاعي المختص بتنظيم اللعب ونقل الكرات من جانب إلى جانب بالاضافة للتعاقد مع البرازيلي آلان من أودينيزي والذي يمكن له أن يلعب على يمين فالديفيوري ، وبالاضافة للوافدين الجديدين فإن ساري يهدف للتعاقد مع الايطالي الشاب ريكاردو سابونارا صانع لعب ايمبولي المتميز ، وفي حال تمت الصفقة فإن ساري سيكون قد جلب ٣ لاعبي وسط ليس من بينهم لاعب جناح أو لاعب طرف واحد وهو ما يزيد التأكيد على نيته في الاستغناء عن جناحي الهجوم


وتبدو مشكلة جابياديني و انسييني و فارجاس - في حال بقاءه مع الفريق - أقل من البقية حيث يمكن لهما اللعب في مركز قلب الهجوم إلى جوار جونزالو هيجوايين وربما يتمكنون من التأقلم مع طريقة اللعب الجديدة للفريق 


وعلى ما يبدو فإن نابولي مع مدربه الجديد مُقْدِم على تغيير شامل في خط وسطه ، تماماً كما غير من خط دفاعه مع بينيتيز وهو ما قد يكلف الفريق فقدان بعض عناصره المميزة وربما تراجعاً في النتائج كما حدث من قبل



الغريب أن دي لاورنتس لم يفكر في كل تجاربه في التعاقد مع مدرب يُكمل البناء الذي تركه سابقه ، ففي كل مرة يختار الرئيس مدرباً بعقلية مختلفة ليبدأ الفريق معه من الصفر لكن الأكثر غرابة أن دي لاورنتس وقع عقداً مع ساري لمدة موسم واحد فقط قابل للتجديد لموسم آخر ، فإذا كان يثق في مدربه فلماذا لم يمنحه عقداً طويل الأجل ؟ وإذا كان لا يثق به فلماذا يوافقه على تغيير شكل الفريق ويسمح له - حتى الآن - بانتداب لاعبين يتماشون تماماً مع فلسفته الكروية المختلفة تماماً عمّا تركه بينيتيز ؟