الخميس، 21 نوفمبر 2013

The Jupp Heynckes System





مع إنتهاء موسم 2010-2011 كان بايرن ميونخ يعيش واحداً من أسوأ مواسمه
حين أقصي من دوري أبطال أوروبا في ملعبه على يدي إنتر ميلان
ثم أتبع ذلك بالخروج من كأس ألمانيا خلال أقل من أسبوعين مع تهديد واضح
بفقدان فرصة المشاركة في دوري أبطال أوروبا بسبب تراجع نتائجه في البوندسليجا

النادي البافاري إختار أن يُنهي موسمه بمدرب مؤقت قبل أن يوقع بنهاية الموسم
عقداُ مع الألماني الخبيرهاينكس لمدة  لموسمين , فكان الموسم الأول إيجابياً لأنه نقل الفريق
من مرحلة الخروج المبكر من دائرة المنافسة إلى السعي لتحقيق كل الألقاب الممكنة
لكن هذا التحسن الذي أحدثه هاينكس يتعثر في الخطوات الأخيرة لكل بطولة
ففي موسم 2011-2012 بايرن ميونخ خسر كأسيّ ألمانيا ودوري الأبطال في المباريات النهائية
وبقي مطارداً لبروسيا دورتموند على لقب الدوري حتى الأمتار الأخيرة من سباق البوندسليجا

أحد مشاكل بايرن ميونخ في تلك الفترة كانت تتمثل في عدم قدرته على التعامل
مع بروسيا دورتموند الذي حقق بفوزه المذلّ على الفريق البافاري في نهائي كأس ألمانيا
سلسلة من 5 مباريات كلها إنتهت بخسارة بايرن ميونخ في مختلف المسابقات

بروسيا دورتموند حرم بايرن ميونخ من لقب كأس ألمانيا
وساهمت النقاط الـ6 التي جمعها في مواجهاته المباشرة أمام الفريق البافاري
في فقدان البايرن للقب بوندسليجا ذلك الموسم قبل أن يُنهي تشيلسي
ذلك الموسم الأسود للبايرن حين انتزع منه لقب دوري أبطال أوروبا في أليانز أرينا

بنهاية ذلك الموسم , يوب هاينكس كان يبلغ من العمر 67 عاماً
قضى منها قرابة 34 عاماً كمدرب مع تبقي عام ( موسم ) واحد فقط
في عقده مع بايرن ميونخ والذي قد يكون أيضاً موسمه الأخير كمدرب كرة قدم





هاينكس عَلِم حينها أن طريقه نحو التحوّل من فريق وصيف
إلى فريق بطل يمرّ عبر بوابة التخلّص من شبح بروسيا دورتموند
الذي أصبح بمثابة الدابة السوداء للفريق البافاري مع المدرب الشاب يورغن كلوب
وهو ما قاده بعد ذلك لتغيير نظام اللعب وليس طريقة اللعب التي بقيت كما هي 4-2-3-1

مشكلة يوب هاينكس مع دورتموند كانت تمثل رأس الهرم
لأنه في الواقع كان يُعاني أمام الأندية التي تلعب معه بنظام الضغط المكثف
ويمكن القول أن تلك الأندية كانت تدرس أسلوب بروسيا دورتموند
والذي يرتكز على الضغط المتواصل على حامل الكرة ومُستلمها الذي ستمرر إليه
ثم تأتي لتطبقه أمام بايرن ميونخ ما يجعله يُعاني للفوز في معظم مبارياته

ما حاول يوب هاينكس أن يقوم به لعلاج تلك المشكلة
يكمن في تصميمه لنظام لعب جديد يهدف للتخلص من كل العيوب
التي عرفها الفريق خلال الموسم الأول تحت قيادته
والتي كانت تتكشف وتظهر بشكل جليّ أمام أسلوب دورتموند الخانق

وتتشابه حالة يوب هاينكس هذه مع حالة جوزيه مورينيو
الذي صمم لريال مدريد نظام لعب مضاد لأسلوب برشلونة
ويمكن إكتشاف ذلك من خلال المقارنة بين أول كلاسيكو للمدرب البرتغالي
والذي خسره بخمسة أهداف نظيفة وآخر كلاسيكو في عهد مورينيو
والذي كسبه بفريق شبه إحتياطي أمام بارسا مكتمل الصفوف
ولكن الفارق بين تجربة هاينكس وتجربة جوزيه مورينيو
أن مورينيو أوجد نظام لعب يُقاوم فقط أسلوب برشلونة الذي يهدف للإستحواذ على الكرة
وهو ما جعله يفشل على المستوى الأوروبي لأنه لا وجود لكثير من الأندية
التي تطبق فلسفة امتلاك الكرة باستثناء الفريق الكاتلوني
في حين أن نظام يوب هاينكس كان يهدف لمقاومة الضغط المكثف
الذي يطبقه بروسيا دورتموند وكثير من الأندية الأخرى إن لم نقل كلها
لأن الضغط في كرة القدم الحديثة بات جزءاً من أسلوب كل نادي
فحتى برشلونة نفسه يعتمد كثيراً على هذا النوع من الضغط
في كل مرة لا تكون الكرة تحت سيطرته
ولذلك كان نظام هاينكس أفضل و أكثر قابلية للنجاح
لأنه أوقف بروسيا دورتموند محلياً وقاده كذلك للفوز بدوري أبطال أوروبا

والآن لنتعرف على أساسيات ما أسميتُه بـ( نظام يوب هاينكس )



" الإستحواذ المتأخر "





لو نظرت اليوم إلى برشلونة و ريال مدريد وبروسيا دورتموند
وغيرها من أندية الصف الأول في كرة القدم الاوروبية
لوجدت أن كل مدرب من مدربي هذه الأندية يحرص على تواجد لاعب خط وسط
يتحكم بالأداء ويُدير اللعب من منطقة عمق الوسط بحسب تركيبة كل لاعب
ففـ تشافي هو من ينظم كرات برشلونة من منطقة بينما تشابي ألونسو أو إلكاي جوندوجان
يقومان بنفس الأدوار (تنظيم اللعب) ولكن من منطقة متأخرة نسبياً

يوب هاينكس لديه لاعب بهذه المواصفات (باستيان شفاينشتايجر)
لكن المدرب الألماني لا يريد منه أن يبني اللعب من منطقة متقدمة مثل تشافي
ولا متأخرة مثل ألونسو وجوندوجان بسبب ما يُعاني منه مثل هؤلاء اللاعبين
من الرقابة التي تُفرض عليه من قبل مهاجم وصانع لعب الفريق المقابل
( رقابة ليفاندوفسكي و جوتزه على ألونسو على سبيل المثال )

يوب هاينكس جعل شفاينشتايجر يبني لعب الفريق البافاري من الدفاع وليس من خط الوسط
مستفيداً من قدرات حارس المرمى مانويل نوير في الإستلام والتمرير
وبفضل تمتع لاعبي خط دفاعه بمعدلات مرتفعة للتمرير الصحيح
دون إغفال قيمة التعاقد مع دانتي من بروسيا مونشنجلادباخ
الذي احتل المركز الثالث من بين جميع لاعبي البوندسليجا
من حيث معدل التمريرات في كل مباراة في آخر مواسمه مع فريق يوب هاينكس السابق

ويمكن القول أن بايرن ميونخ تحت نظام يوب هاينكس
مارس التيكي تاكا الخاصة به بالقرب من منطقة جزائه
على الرغم مما يشكله ذلك من خطورة فقدان الكرة في منطقة حرجة
وعلى سبيل المثال لا الحصر فإننا لو نظرنا إلى إحصائيات المباراة النهائية
لدوري أبطال أوروبا الموسم الماضي سنجد أن أكثر 5 لاعبين تمريراً في تلك المباراة
كان رباعي الدفاع دانتي , بواتينج , لام , ألابا ولاعبنا الذي نتحدث عنه .. شفاينشتياجر !

بناء البايرن للعب من الخلف لم تكن وسيلة للخروج بالكرة من مناطقه الخلفية
كما تفعل معظم الأندية للتخلص من عبئ وجود الكرة في مناطق الفريق الدفاعية
وإنما كان هذا التنظيم هو أكثر مناطق اللعب أماناً بالنسبة للاعبي بايرن ميونخ
ولذلك تجد أنهم في كل مرة لا يجدون طريقاً لتجاوز تنظيم الفريق المقابل
يعمدون لإعادة الكرات تجاه الحارس أو المدافعين حيث تكون الكرة بمأمن !


وهنا لابد من طرح سؤالين مهمين للغاية
الأول : حين تبني اللعب من منطقة متأخرة جداً كهذه
كيف تبقي المنافس بعيداً عنك لتتمتع بأفضلية عددية ؟
والثاني : كيف تنقل الكرة إلى الهجوم متجاوزاً كل هذه المسافة ؟




لنبدأ بالسؤال الأول . .
في تنظيم الأندية التي تلعب بطريقة 4-2-3-1 يتولى رأس الحربة وصانع اللعب
مهمة الضغط على خط الدفاع ولاعبي ارتكاز الفريق المقابل
في حين أن الجناحين ومحاور الإرتكاز تقوم بالضغط أيضاً ولكن حسب تواجد
بقية لاعبي الفريق المقابل , في الصورة أعلاه رسم توضيحي
لتنظيم بايرن ميونخ عند خروج الكرة من مناطقه الخلفية
وعليك أن تلاحظ الدائرة الوهمية في وسط ملعب بايرن ميونخ
والتي لا يشغلها إلا خافي مارتينيز في حين أن بقية اللاعبين
يفضلون انتظار الكرة على طرفي الملعب وليس في العمق
ثم حاول أن تلاحظ المستطيل الأخضر الذي يتواجد داخله مارتينيز و فيليب لام وديفيد ألابا

تقدم مارتينيز ولام وألابا هو من يجبر رباعي وسط دورتموند
على البقاء في منطقه متأخرة بعيداً عن شفايتشتايجر وبقية المدافعين
وبالتالي يكون لدى البايرن قلبي دفاع وحارس مرمى وشفاينشتايجر
في مواجهة رويس وليفاندوفسكي ( 4 ضد 2 )
وهو ما يسمح للبايرن بنقل الكرة دون أخطاء بفضل المساحة والأكثرية العددية
ولو عدت للصورة الأولى ستلاحظ المسافة الكبيرة بين مدافعي البايرن
وبين بقية لاعبي دورتموند المفترض تواجدهم في منطقة متقدمة أكثر من ذلك

وبالطبع هذا التنظيم ليس أسلوباً ثابتاً طوال المباراة لأنك ستجد في حالات أخرى
أن وسط دورتموند سيحاول مقاومة ذلك عبر التقدم بلاعب أو لاعبين
وهو ما يترك المساحة لمارتينيز أو أحد الظهيرين للتخلص من الرقابة واستلام الكرة
ما يعني أن البايرن لديه الأفضلية دائماً للخروج بالكرة من ملعبه بشكل صحيح !




والآن لننتقل للسؤال الثاني . .
وهو كيف يتجاوز بايرن هذه المسافة الطويلة
من منطقة بناء اللعب المتأخرة جداً وصولاً إلى المهاجمين ؟





بعد نهاية الموسم الأول ليوب هاينكس في ميونخ
كان الفريق يضم ثلاثة مهاجمين ماريو جوميز وإيفيكا أوليتش ونيلس بيترسن
وإذا استثنينا بيترسن الذي لم يكن يلعب كثيراً
نجد أنه في ذلك الموسم ماريو جوميز و إيفيكا أوليتش
كانا يملكان معدل نجاح في الكرات الهوائية ضعيف للغاية
0,6 كرة في المباراة لجوميز و 0,5 كرة لأوليتش
في حين أن قائمة أفضل 3 لاعبين نجاحاً في الكرات الهوائية في البوندسليجا ذلك الموسم
كانت تضم لاعبيّ قلب هجوم هما كيسلنغ وماندزوكيتش !

يوب هاينكس تعاقد بنهاية الموسم الأول مع الكرواتي ماندزوكيتش
الذي يبلغ من الطول 187 سم والأهم أنه بنهاية ذلك الموسم
كان يملك معدل نجاح في الكرات الهوائية يصل إلى 3,5 كرة في المباراة
وهو ما يُعادل أكثر من 3 أضعاف مجموع مُعدليّ جوميز و أوليتش !

هاينكس كان يبحث في ماندزوكيتش عن نقطة الوصول الأولى التي تُرمى إليها
الكرات الطويلة التي ترسل من مناطق بايرن ميونخ الخلفية
مستفيداً من قدرته على تحويل ولو أقل من نصف هذه الكرات لزملائه
وبالعودة لنهائي دوري أبطال أوروبا كان ماندزوكيتش قد استقبل 11 كرة هوائية
كأكثر لاعبي الفريقين استقبالاً لمثل هذه الكرات المرتفعة
ونجح في الفوز بـ4 منها ( تفوق نسبة 3.5 التي اشتراه هاينكس لأجلها)
وهو رقم مرتفع للاعب قلب هجوم قياساً بروبرت ليفاندوفيسكي
الذي كسب كرة هوائية واحدة من أصل 8 في ذات المباراة

وبالطبع لا يعتبر ماندزوكيتش الخيار الوحيد لمثل هذه الكرات
فهناك توماس مولر الذي ينضم إليه لاستقبال مثل هذه الكرات
مع عدم إغفال دور روبين وريبيري في استلام الكرات الطويلة
ولكن عبر إمتصاصها والسيطرة عليها بالقدم وليس بالرأس
ما يوفر للاعبي البايرن 4 خيارات لإرسال معظم الكرات الطويلة

في المجمل كانت الكرات الهوائية واحدة من أهم مميزات نظام هاينكس
لدرجة تجعلك تشعر وأنت تشاهد البايرن أنك أمام فريق
يلعب كرة القدم الإنجليزية التقليدية والتي تتميز بمثل هذه الكرات بعيدة المدى



" عدم الدخول لعمق الملعب قدر الإمكان "




 
نظام بناء اللعب من الخلف ثم إرسال كرات طويلة يمثل الخيار الأول للبافاريين
لكن حين يتعلق الامر بلعب الكرة على الأرض تجد أن البايرن
يحاول قدر المستطاع ألا يدخل بالكرة إلى عمق الملعب على الأقل في نصف ملعبه
لأنه وببساطة كلما دخلت إلى عمق الملعب كلما زاد الضغط والرقابة عليك
وكلما كنت عرضة لفقدان الكرة ومن ثم تحولها لهجمات مضادة على مرماك

في الصورة يظهر فيليب لام وهو يحاول بناء الهجمة
وهنا تجد أن لاعبي بايرن ميونخ يتحركون بشكل متقاطع
فريبيري يتحرك للخلف بينما يُقابل ذلك من قبل خافي مارتينيز الذي يجري للأمام
وهناك ألابا بإمكانه طلب الكرة على الطرف الآخر ( سنعرف لاحقاً لماذا )
بينما روبين يجري بشكل قطري من أحد أطراف الملعب للآخر
دون أن تظهر الصورة مولر وماندزوكيتش الذان يقومان بتحركات مماثلة

الغريب في هذه الحالة أن شفاينشتايجر يقف بعيداً دون أن يتدخل في بناء الهجمة
و لنطبق الأمر مجدداً على برشلونة وريال مدريد وغيرهم
وسنجد أنه في مثل هذا الموقف تشافي هيرنانديز أو تشابي ألونسو
سيكون هو خيار التمرير الأول لحامل الكرة في مثل هذا الموقف
لكن هذا الخيار يتواجد دائماً في العمق وهنا تكمن المشكلة
وهنا أيضاً يكمن الفخ الذي يحاول فريق مثل دورتموند أن يدفعك إليه
وبشكل عام فإن أحد قواعد أسلوب الضغط الذي يتخذه دورتموند وبرشلونة وغيرهم
تكمن في دفعك لنقل الكرة إلى طرف الملعب حيث تفقد أحد إتجاهات التمرير بسبب خط التماس
مما يُسهّل محاصرتك في ثلاث إتجاهات عوضاً عن أربعة

نظام هاينكس يحاول أن يوجد الحلول دون الدخول للعمق
ولذلك قد يعود ريبيري او روبين للخلف
وقد يتقدم مارتينيز رغم أنه لاعب الإرتكاز الدفاعي للفريق
وقد يطلب مولر أو ماندزوكيتش الكرة في موقع غير منتظر
المهم أن يجد الفريق مساراً عمودياً أو شبه عمودي للكرة
عوضاً عن تمريرها بشكل عرضي 100%






وهذه صورة توضيحية للتمريرات التي تلقاها توماس مولر وماندزوكيتش
في نهائي دوري أبطال أوروبا والذي كان فيه مولر صانع لعب
وماندزوكيتش قلباً للهجوم للفريق البافاري وقتها
وتجد أن معظم الكرات التي استقبلها هذا الثنائي هي كرات طويلة ( عمودية )
وليس كرات أفقية تمرر لهما من أحد طرفي الملعب





ولا يمكن الحصول على حالة أوضح من هذه لمعرفة
كيف يُصرّ البايرن على البقاء على طرف الملعب قدر الإمكان
حيث نشاهد كيف أن روبين محاصر من قبل جوندوجان
ومع ذلك ماندزوكيتش لا يحاول الدخول إلى العمق لاستلام الكرة منه
ولا حتى توماس مولر الذي يبدو بعيداً عنه للغاية
رغم أنه من الطبيعي في أي نظام لعب آخر أن يتواجد أحدهما أو كلاهما
داخل الدائرة المحددة باللون الأصفر !


" التعامل مع دوائر الضغط "





يعدّ الضغط على حامل الكرة السمة الأبرز في كرة القدم الحديثة
كونه يُعدّ أقصر الطرق للدفاع وللهجوم في آن واحد
فهو يعرقل هجمات المنافس ليحميك دفاعياً
كما أنه يساهم في إفتكاك الكرة للعودة بها للهجوم فيدعمك هجومياً

وفي الأندية التي تلعب بطريقة 4-2-3-1 أو 4-3-3
هناك سعي لتشكيل مثلثات ومربعات من جميع اللاعبين
لصنع ما يُسمى بدوائر الضغط التي تحيط بحامل الكرة
أو حتى باللاعب المتوقع إنتقال الكرة إليه ( أهم خيارات التمرير لحامل الكرة )





في الصورتين يظهر نموذج لدوائر الضغط التي يصنعها
اللاعبون في الأندية التي تتميز بالضغط العالي والمكثف على المنافس
وفي الحالتين ريال مدريد كان الضحيّة لهذا الأسلوب من اللعب
أمام بروسيا دورتموند وأتلتيكو مدريد اللذان حرما الفريق الملكي
من لقبي دوري أبطال أوروبا وكأس ملك إسبانيا بهذه الطريقة

ريال مدريد وغيره من الأندية تخسر الكرات ضمن هذه الدوائر
التي يجد فيها حامل الكرة نفسه محاطاً بمدافعين من كل الإتجاهات
ما يؤدي لافتقاده للمساحة اللازمة للاستلام والتمرير
وحرمانه كذلك من الوقت لاتخاذ قرار مناسب للتعامل مع الكرة
وهو ما يعرقل مشروع أي هجمة من هذا النوع !



كيف تعامل نظام يوب هاينكس مع هذه المشكلة ؟





هذه الصورة من المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا
ليست سوى نموذج لفكرة هاينكس في التعامل مع دوائر الضغط
فبفضل التمدد الأفقي للفريق في الأمام ( 4 لاعبين )
حيث يكون روبين وريبيري على الأطراف
بينما يبقى مولر وماندزوكيتش أمام لاعبي خط الدفاع مباشرة
نظراً لأنهما لا يحاولان استقبال الكرات بشكل أفقي من بقية اللاعبين

الفكرة عند هاينكس ليست أن لا تتواجد مطلقاً داخل دائرة الضغط
ولكن في أن تختار التوقيت المناسب للتواجد داخل هذه الدائرة
ولو عدت للصورة ستجد أن حامل الكرة ( فيليب لام )
يستعد لتمريرها في حين أن روبين و مولر و ماندزوكيتش خارج دوائر الضغط تماماً
وبالتالي فإن حامل الكرة حين يقرر التمرير , يقوم أحد هؤلاء اللاعبين
بالسقوط داخل دائرة الضغط مستغلاً تحركه في ظهر لاعبي الوسط
ما يجعله قادراً على استلامها وتمريرها قبل أن تنكمش عليه العناصر المشكلة لهذه الدائرة

قد تبدو الفكرة بسيطة لكنها النقطة التي تنطلق منها هجمات البايرن
فكل محاولة صحيحة لإختراق دائرة الضغط من قبل أحد اللاعبين
يصاحبها تحرك من لاعب آخر ( المهاجم غالباً ) في ظهر لاعبي خط الدفاع
أو تحرك سريع من روبين أو ريبيري من الطرف إلى عمق الملعب
وهو ما يشكل خطراً هجومياً سببه الرئيسي أنك في جزء من الثانية
نجحت في الحصول على الوقت والمساحة الكافية لاستلام الكرة
في ثلث الملعب الدفاعي للمنافس الذي لا يتوقع منك الحصول على مثل هذه الكرات

ارجع كذلك للصورة التي تشرح إصرار البايرن في البقاء على الطرف
ولاحظ الدائرة الصفراء ( دائرة الضغط ) وكيف أن مولر وماندزوكيتش يتجنّبان التواجد فيها



" مرجحة اللعب "





مصطلح مرجحة اللعب ( إن صحت التسمية )
تعني نقل الكرة من طرف الملعب لطرف آخر كما تفعل الأرجوحة
التي تنقل الشخص الذي يجلس عليها من جانب لآخر

هذا الأسلوب يمثل الحل الأخير لأي لاعب في بايرن ميونخ
حين لا يجد الحل للدخول بالكرة بشكل سليم وفق قواعد نظام يوب هاينكس
وهنا عليك أن تشعر بأهمية هذا الخيار المتاح ( تمرير الكرة للجانب الآخر )
لأن كثيراً من اللاعبين يملك دائماً رغبة في المجازفة
خاصة أن اللعب الهجومي مبني في الأصل على المجازفة الهجومية
حيث تحاول وأنت أقل عدداً وأمام مساحات أضيق أن تصل لمرمى المنافس
فحين لا تتوفر لحامل الكرة الخيارات المثالية لبناء الهجوم
يحاول أن يعالج المشكلة بتمريرة جريئة قد تصل وقد لا تصل

لا أقول أن لاعبي بايرن ميونخ لا يرتكبون مثل هذه الأخطاء
لكنها تحدث عنهم بنسبة أقل مما يحدث عند البقية
والسبب أن الفريق كلما عجز عن إيصال الكرة للمهاجمين
كلما كان أكثر صبراً و تروّياً بحيث ينقل الكرة للجانب الآخر
حيث يحاول عبر ذلك الجانب أن يقوم بمحاولة ناجحة أخرى

مرجحة اللعب هذه ليست مصممة لكبح جماح المجازفة عند اللاعبين فحسب
بل هي كذلك جزء من البناء الهجومي للفريق
ولو عدت للصورة التشبيهية أعلاه تجد كيف أن مولر وماندزوكيتش
يجدان عبر نقل الكرة من جانب لآخر الفرصة للدخول في دائرة الضغط من الخلف

فلو افترضنا أن الكرة بحوزة ريبيري وحاول أن يمررها لمولر
لكنه لم ينجح بسبب تفطّن المدافعين لتحركه إلى داخل دائرة الضغط
أو بسبب رقابة رجل لرجل مفروضة عليه
فإن ريبيري يقوم بنفسه بنقل الكرة للجانب الآخر أو يمررها للاعب غير مراقب
ويتولى هو تحويلها للجانب الآخر الذي يقف عليه روبين
وبمجرد ووصول الكرة لروبين سيحاول دورتموند أن يشكل دائرة ضغط بالقرب منه
وفي هذه اللحظة تحديداً تكون لمولر أو ماندزوكيتش فرصة لاختراق دائرة الضغط
تفوق فرصته عندما كانت الكرة بحوزة ريبيري

باختصار , مرجحة اللعب تهدف لدفع الفريق للبحث عن فرصة أفضل
ولو عدت لخريطة الكرات الطويلة التي أوردتها سابقاً
ستجد أن نسبة كبيرة منها على شكل كرات طويلة ترسل من طرف لآخر






كانت تلك أهم الأفكار الهجومية لنظام يوب هاينكس
والذي تعمدت الحديث عنها دون الحديث عن الجانب الدفاعي للفريق
لأن الإبتكار والشيء الجديد والمختلف في أسلوب البايرن
كان الشق الهجومي الذي قاد البايرن للفوز بكل الألقاب الممكنة الموسم الماضي
ليحقق ثلاثية تاريخية عبر نتائج كبيرة ومستويات باهرة

وفي الواقع فإن أحد أهم الأسباب التي تدفعك للأهتمام بتكتيك وأسرار كرة القدم
هو ما قام به يوب هاينكس خلال الموسم الماضي
وسواء كنت محباً لهذا الفريق أو كارهاً له فإنك لا تملك إلا الإعجاب بما قدمه
لأن تكتيك كرة القدم أشبه باللغز الذي تصنعه وغيرك يبحث عن حله
أو المتاهة التي يصممها لك خصمك بينما أنت عليك أن تجد طريقاً للخروج منها
وهذا بالضبط ما قام به هاينكس حين أوجد لفريقه خارطة طريق
للخروج من كل المشاكل التي خلقها له نظام يورغن كلوب

ما قام به هاينكس كانت بداية التغيير
لأنه أوجد لنفسه ولغيره طريقاً جديداً لمقاومة الضغط
الذي بات يُعيق خطط أي بناء هجومي لأي مدرب كرة قدم
وأكد أجزم أننا مع الوقت سنشاهد أكثر من مدرب يقتبس هذه الفكرة ولو جزئياً
تحديداً في كأس العالم المقبلة التي تكون فرصة مثالية لتطبيق الأفكار الجديدة في كرة القدم

يوب هاينكس رجل الموسم الماضي ورجل العام في كرة القدم العالمية
ولا يمكنني التفكير في أن مدرباً آخر سيستحق الفوز أكثر منه
بجائزة الفيفا لأفضل مدرب في العالم للعام 2013 !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق