الأحد، 12 مايو 2013

ما الذي يحدث في موناكو ؟




في الثاني من ديسمبر لعام 2010 عاش العالم على وقع مفاجأة غير متوقعة
حين أعلن جوزيف بلاتر رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم – فيفا
عن فوز الملفين الروسي والقطري بفرصة تنظيم كأسي عالم 2018 و2022
على الرغم من المنافسة الشديدة مع الولايات المتحدة وإنجلترا وأستراليا واليابان
وغيرها من القوى الإقتصادية العالمية العظمى

الأموال الروسية والقطرية التي دعمت وساهمت في جعل الفيفا
مطمئنة على نجاح تنظيم هذا الحدث الكبير لم تتوقف عند هذا الحد من الدعم والإستثمار
فالأموال القطرية توجهت بعد ذلك للإستثمار في كرة القدم الفرنسية
عبر النادي العاصمي باريس سان جيرمان والذي سيتوج هذا الموسم
بلقبه الثالث في الدوري الفرنسي بعد غياب طويل قارب العشرين عاماً
كان ليكون أطول لولا إنفاق القطريين السخيّ عليه

وفي حين أن روسيا وقطر لم تتنافسا لتنظيم مونديالي 2018 و2022
لأن كلاً منهما كان يستهدف بطولة كأس عالم مختلفة عن الأخرى
فإن التنافس سيكون مباشراً بينهما هذه المرة حين يصعد فريق إمارة موناكو
لدوري الدرجة الأولى الفرنسية ويكون عبر أمواله الروسية في منافسة شرسة
مع الفريق الباريسي ذو الأموال القطرية !

و موناكو هي إمارة مستقلة تقع في الجنوب الشرقي لفرنسا وتُعرف هذه الأمارة
صغيرة المساحة بثرائها ونمط الحياة المُترف الذي يعيشه ساكنيها
وكون الأمارة لا تملك إتحاد رياضي معترف به من قبل الإتحاد الأوروبي لكرة القدم
فإن فريق الأمارة يلعب منذ سنوات ضمن الدوري الفرنسي لكرة القدم
وهو ما يمكنه من ضم لاعبين من مختلف البلدان الأوروبية
كما أنه يتيح له المشاركة في البطولات الأوروبية التي ينظمها الإتحاد الأوروبي UEFA

وبغض النظر عن قلة عدد ساكني هذه الإمارة الذي يقل عن 40 ألفاً معظمهم من الأثرياء
فإن كرة القدم لا تستهوي الكثيرين هناك ولذلك فإن ملعب النادي لا تتجاوز سعته 18 ألف مقعد
كما أن معدل الحضور الجماهيري للفريق خلال الموسم لا يتجاوز الخمسة آلاف
مشجع في كل مباراة على الرغم من رخص ثمن التذاكر الموسمية للنادي
والتي تبدأ من 38 يورو فقط لجميع مباريات الموسم !

وبخلاف ذلك فإن الأمير ألبيرت الثاني ( حاكم الإمارة ) عُرف بولعه الشديد
بالرياضة بشكل عام وكرة القدم تحديداً وهو الذي يمتلك بطاقة العضوية
رقم 2 في النادي ( البطاقة الأولى كان يملكها والده ريني الثالث )
وبعد هبوط موناكو لدوري الدرجة الثانية نهاية موسم 2010-2011
قرر الأمير ألبيرت البحث عن حلول لإعادة النادي المتراجع رياضياً
إلى واجهة كرة القدم الفرنسية ومن ثم الأوروبية عبر مشروع إستثماري ورياضي ضخم جداً

الملياردير الروسي ديميتري ريبولوفليف والذي يتخذ من موناكو
مسكناً له في فترات مختلفة كان هو الرجل المناسب لقيادة هذا المشروع
ففي ديسمبر 2011 أعلن الملياردير الروسي أنه تمكن بالفعل
 من الحصول على ثلثيّ ملكية فريق موناكو أي ما يعادل 66%
من حصة الفريق بعد جلسة حوار بينه وبين الأمير ألبيرت
ليعلن عن نيته لإعادة موناكو لدوري الدرجة الأولى الفرنسيّة
لكنه وصل متأخراً فلم يتحقق هذا الهدف خلال ذلك الموسم

وفي هذا الموسم نجح موناكو بالفعل في التأهل لدوري الدرجة الأولى
ليبدأ الروسي الثري في الكشف عن نواياه لصرف مالا يقل عن 200 مليون يورو
لتدعيم الفريق وجعله منافساً حقيقياً لباريس سان جيرمان على لقب الدوري الفرنسي
في الموسم القادم وإن صحت الأخبار المتداولة هذه الأيام
فإن المهاجم الكولومبي راداميل فالكاو سيكون أولى الصفقات المجنونة لهذا النادي
مقابل ما لا يقل عن 60 مليون يورو !

ريبولوفليف هو إمتداد لرجال أعمال روس إقتحموا عالم كرة القدم الأوروبية
بعد نجاح أبراهموفيتش في تشيلسي وتجارب أخرى في أنجي ماخاشكالا وزينيت سان بيترسبرغ
لكن ما لا يعرفه الكثيرون عن ريبولوفليف و ما يميزه عن بقية المستثمرين الروس
أن هذا الرجل ينفق أمواله دون مبالاة شديدة ودون حسابات معقّدة
فقد دفع 100 مليون دولار ليشتري لإبنته جزيرة يونانية صغيرة تعرف باسم (سكوربيوس)
كما قام بشراء جزيرة (تسوكاري) لابنته الأخرى التي لا يتجاوز عمرها 12 عاماً
وسبق له كذلك أن أشترى منزلاً في بالم بيتش من الملياردير الأمريكي دونالد ترامب
مقابل 100 مليون دولار , كما اشترى لإبنته شقة في مدينة نيويورك
لا تزيد مساحتها عن 626متر مربع مقابل قرابة 90 مليون دولار !

هذا الرجل الذي زادت ثروته بمقدار ثلاثة أضعاف
مابين عاميّ 2009 و2011 حتى بلغت أكثر من 9 بليون دولار
ليس الأكثر ثراءً في بلده فهو يحتل المرتبة الـ13من بين أثرياء روسيا لوحدها
وبالكاد يدخل في قائمة أثرى 100 رجل أعمال حول العالم (المركز 93 في 2011)
لكن الفارق بينه وبين الكثير من الأثرياء الذين يمتلكون أندية لكرة القدم في أوروبا
أنه مستعد للإنفاق بجنون ليجعل من موناكو بطلاً لفرنسا ولأوروبا بعد ذلك !

لكن هناك عقبة يبدو أنها ستكون عائقاً في طريق طموحات الملياردير الروسي
فخلال سنوات مضت تعالت الأصوات داخل كرة القدم الفرنسية
معترضة على كون موناكو يستغل قوانين الإمارة التي تعفي مواطنيها والمقيمين فيها
من أيّ إلتزامات ضريبية على الدخل في حين أن بقية أندية الدوري الفرنسي
تدفع ضرائب مرتفعة مقابل رواتب لاعبيها ( تصل إلى 40 أو 45% )
وهو ما يمنح موناكو أفضلية في التعاقد مع كثير من اللاعبين
الذين يحصلون على أجور مرتفعة خالية من الضرائب
ولنضرب مثالاً على ذلك فإن زلاتان إبراهيموفيتش ليحصل على راتب
14 مليون يورو صافية من الضرائب يكون على باريس سان جيرمان
أن يدفع ما يقارب 5 ملايين ونصف على شكل ضرائب
في حين أن موناكو لو تعاقد مع نفس اللاعب وبنفس المرتب
سيكون معفيّاً من دفع مبالغ إضافية كهذه

الإتحاد الفرنسي لكرة القدم لم يُعارض تمتع موناكو بهذه الميزة
ولكنه مؤخراً وتحت ضغط من بقية الأندية أعلن أنه لن يسمح لموناكو
من المشاركة في دوري الدرجة الأولى الموسم المقبل
إلا في حال قام بنقل مقر النادي إلى داخل الأراضي الفرنسية
وهو ما يجعله داخلاً ضمن قانون الضرائب الفرنسي
وحدد تاريخ الـ21 من مارس الماضي كموعد نهائي لإنتقال الفريق إلى مقره الجديد

وبعد إجتماع جرى بين الروسي ريبولوفليف ونويل لوجراي رئيس الإتحاد الفرنسي لكرة القدم
تم الإتفاق على دفع النادي الثري لمبلغ 200 مليون يورو كغرامة مقابل الإبقاء
على مقره النادي داخل حدود إمارة موناكو وتمتعه بالإعفاء الضريبي الذي يبدو
أنه لا ينوي التخلي عنه بأي شكل من الأشكال , ولكن الثري الروسي قرر رفع قضية
لمحاولة الإفلات من الخيارين التي حددهما الإتحاد الفرنسي (الإنتقال أو غرامة الـ200 مليون)
رغم أنه يبدو مستعداً لدفع هذا المبلغ الضخم الذي لن يعيقه عن مواصلة مشروعه

الأمر المؤكد , أن هذا الروسي الثري ينوي صُنع فريق كبير ينافس به محلياً وأوروبياً
وتتردد في الصحف الأوروبية هذه الأيام أن إيسكو و فيكتور فالديز وفرانك لامبارد ويوهان كاباي
بالإضافة للمدرب الإيطالي روبرتو مانشيني هم الركائز الأساسية لمشروع موناكو الجديد

ومقابل صفقات ضخمة ستغري الأندية بالبيع بالإضافة للإعفاء الضريبي وميزة العيش المُترف
في إمارة كـ موناكو , فإن كثيراً من اللاعبين سيعتبرون الإنتقال لموناكو
تجربة رياضية ومادية تستحق التضحية لأجلها

وختاماً لا أملك الكثير من التأكيدات حول مدى نجاح أو ضخامة مشروع موناكو الروسيّ
لكن الحديث المتزايد حول هذا الفريق يجعل الكثيرين قلقين بشأنه
ويمكن القول أننا خلال الصيف القادم سنعرف حجم الجنون الذي سينفق من خلاله ريبولوفليف
ليحوّل موناكو من فريق فرنسي عادي إلى غول روسي جديد !

هناك تعليق واحد:

  1. قرأت المقال الصراحة وجتني العبرة

    ليس على حال موناكو ولا حال البليونير الروسي

    ولكن على المال الذي ينثر يمنة ويسرة

    تسلم يانزار

    ودمت كما عرفناك دائما مبدعا

    ردحذف