الخميس، 21 فبراير 2013

ميلان أليجري . .كيف هزم برشلونة ؟


( بسم الله الرحمن الرحيم )

كنتُ قد كتبت في تويتر نهار أمس أن مباراة ميلان أمام برشونة
هي ( مباراة بين فريق بلا مدرب . . ومدرب بلا فريق )
فـ برشلونة العظيم يُعاني هذه الأيام تأثير غياب فيلانوفا القسري
وهو الذي بالكاد بدأ يُقنع محبي البلوغرانا أن رجلاً مثل بيب جوارديولا يمكن تعويضه
في حين أن مدربا ً مثل أليجري - لطالما اعتبرته مدربا ً كبيراً -
بات أشبه بالقائد الذي لا يملك جنوداً يمكنهم فهم أفكاره و تنفيذ استراتيجياته
ولا أقول ذلك تقليلاً من لاعبي ميلان الحاليين
ولكن أبطالاً مثل إبراهيموفيتش وسيدورف وتياجو سيلفا ونيستا
لا يمكن بأي حال تعويضهم دفعة واحدة !



وبالعودة للمباراة يمكن القول أن أليجري استفاد جيداً من تجاربه الموسم الماضي
بعد أن لعب 4 مرات أمام برشلونة خلال أقل من 8 أشهر
كما أنه استفاد جيداً من تجارب الآخرين في محاولاتهم لإيقاف شبح برشلونة
وبالحديث عن تجارب الآخرين يمكن القول أن فريق برشلونة الذي كوّنه جوارديولا
تمت الإطاحة به لأول مرة عن طريق إنتر جوزيه مورينيو
وحينها كان الدفاع المنظم واللعب في مناطق متأخرة هو الحل الأمثل لهزيمة الكتلان
وهو ذات الحل الذي طبقه تشيلسي الموسم الماضي ليتجاوز برشلونة
ويفتح الطريق لنفسه ليتوج بطلاً بعد ذلك في ميونخ

هناك نوع آخر من الحلول لمواجهة برشلونة الخرافي تمت تجربته خلال الموسمين الماضي والجاري
ويمكنني القول مجدداً أن مورينيو هو مكتشف هذا الفكر أو هذا الحلّ الفعّال
فبعد سلسلة من الخسائر أمام برشلونة مع ريال مدريد الذي كان يبالغ في اللعب مدافعاً
كان لابد من حلّ جديد ومختلف يضمن الخروج بنتيجة إيجابية أمام خصم قوي للغاية

الفكرة في الأسلوب الجديد أنه عوضاً عن البقاء في الخلف وترك برشلونة يلعب كما يحبّ
يمكن للفريق أن يلعب للأمام ولكن بأسلوب لعب يعتمد على نقيض ما يقوم به برشلونة
فإذا كان الكتلان يحبون المساحات المفتوحة فيمكن تعطيل ذلك عبر الضغط المكثف
ولأنهم يجيدون تحضير اللعب في الخلف قبل الإنطلاق للهجوم فلابد من أن يكون الضغط عالياً
وفي مناطق متقدمة جداً من ملعب برشلونة يصل بها الأمر أحياناً إلى أن تكون على المدافع
الذي يتسلم الكرة من حارس المرمى (كما في هدف بنزيما المبكر في ليجا الموسم الماضي)
يضاف إلى ذلك أن نقل الكرات من مناطق الفريق الدفاعية إلى الأمام يكون عبر كرات طويلة
سواء كانت أرضية أو هوائية وهو نقيض ما يقوم به برشلونة الذي يلعب الكرات الأرضية القصيرة



تلك كانت الفكرة , ولكن لنتحدث عن تطبيق ميلان أليجري لها على أرض الواقع
على الورق ميلان يعاني من غيابات كثيرة , خاصة في خط الوسط
ويكفي القول أن غياب ثلاثياً مثل دي يونج , فلاميني و نوتشيرينو يشكلون ضربة قاضية لأي فريق
لكن أليجري نظم فريقه , وحدد مهام و واجبات معينة لكل لاعب
كانت السبب في ظهور الفريق بهذه الحالة الجيدة طوال الـ90 دقيقة

ويمكنني القول أن ميلان أليجري كان يرتكز في قيادته للمباراة على ثلاث نقاط أساسية
الضغط باختلاف أنواعه , الصبر و الهدوء في الثلث الهجومي , والثقة العالية جداً لدى لاعبيه
ولنبدأ بالأخيرة , فأمام هجوم يتكون من ميسي وفابريجاس وإنييستا
لا يمكن للاعبين من نوعية ميكسيس أو زاباتا أن يؤديان بثقة عالية
خاصة ونحن نشاهد حالة الإهتزاز الفني والنفسي التي يمرون بها طول الموسم

برشلونة فريق مرعب , يمكنُ لقوة إمكاناته وثقته في نفس أن تؤثر نفسياً على أي منافس
وذلك التأثير يظهر على 3 أشكال
الأول تأثير في أداء اللاعب الذي لا يكون كما اعتدناه في مباريات أخرى
والثاني تأثير في ثقة اللاعب بزميله , حيث لا يحاول ترك موقعه
خوفاً من تسلل لاعب مثل ميسي في موقعه وبالتالي التسبب في هدف ضد فريقه
وقد شاهدنا كيف أن زاباتا كان يتحول لظهير أيمن في كل مرة يتقدم فيها أباتي للأمام
دون أن يفكر أن مكانه الشاغر يمكن لمنافس أن يشكل خطراً من خلاله
النوع الثالث تأثير في ثقة اللاعب في قدرته على دعم الهجوم والتقدم للأمام
وشاهدنا كيف أن مونتاري في لقطة الهدف الثاني كان قد ترك تشافي وإنييستا وراءه
ليتقدم إلى الأمام ويسجل لفريقه هدفه الثاني في المباراة

وبالحديث عن الهدف الثاني
يمكن اختصار الكثير من الكلام الذي بإمكاننا أن نقوله عن ثقة الميلان وصبره
وتأنيه في إنهاء الهجمات خاصة بعد الهدف الأول حيث كان هناك الكثير من المرتدات
وفي تمريرة الشعراوي لوحدها اختزال لكل التعليمات التي قدمها أليجري للاعبيه
الذين كانوا أقلّ تعجلاً أمام مرمى برشلونة من أي وقت مضى

أكثر ما يمكننا الحديث حوله
هي استراتيجية ميلان في الضغط على برشلونة
وكما ذكرت آنفاً أن انتظار برشلونة في الخلف
وتركه يلعب كما يحب لا تمثل حلاً مثالياً في كل الأوقات
كما أنها خيار سيء لفريق يمتلك مدافعين من مستوى مدافعي الميلان

ضغط ميلان يرتكز على ثلاث قواعد أساسية
سنتحدث عنها بالتفصيل فيما يلي


القاعدة الأولى محاولة إجبار برشلونة على أن يكون تحت الضغط
في منطاقه الدفاعية أو في منتصف الملعب كحد أقصى
وذلك عبر ارسال كرات طويلة من حارس المرمى
إلى ما وراء منتصف الملعب حين تكون الكرة بحوزة ميلان
او انتظار المنافس في منطقة متقدمة حيث تبدأ الهجمة من مرمى برشلونة

أليجري أعطى التعليمات للاعبي خط الدفاع
بالبقاء 30 أو 40 متراً بعيداً عن حارس مرماهم
لتضييق المسافات بين خطي الوسط والدفاع
وقد شاهدنا كيف أن ميلان مارس الضغط على برشلونة
حتى في مناطقه الدفاعية ليمنعه من بناء الهجمة بشكل مريح


القاعدة الثانية : تركيز الضغط في منطقة تواجد الكرة
فقد شاهدنا كيف أن 3 لاعبين من خط الوسط
بالإضافة إلى بواتينج أو الشعراوي (حسب موقع تواجد الكرة)
كانوا يمارسون الضغط على تشافي أو إنييستا
مدعومين بلاعب على الأقل من خط الدفاع
لتشكيل دائرة تمرير مغلقة تجبر لاعبي برشلونة
على اختيار حلول للتمرير أقل خطورة على مرمى الميلان

ميلان نقل الضغط في كل جهات الملعب وذلك حسب تواجد الكرة
فقد كان يمكن ملاحظة هذا الضغط في المنتصف
أو على جانبي الملعب بدعم من الظهيرين أباتي و كونستانت



القاعدة الثالثة : في حالة تجاوز برشلونة لثلث الملعب الأوسط
وانتقاله للثلث الأخير من ملعب الميلان
يتحول الضغط المكثف ومحاولة افتكاك الكرة
إلى حالة انتظار أو ترقب يتابع فيها لاعبي ميلان الكرة
ويتحول تركيزهم من قطع الكرة إلى المحافظة على مسافات محددة بين كل لاعب ولاعب

ميلان كان يلعب بخطي دفاع متوازيين
يتكون كل خط منهما من 4 لاعبين موزعين بعرض الملعب
ويمكن القول أن هذا النوع من الضغط أو الدفاع
كان هو السائد على أداء الميلان في شوط المباراة الأول
وهو ما وفّر للاعبي الروسونيري الكثير من الطاقة واللياقة
والتي كانت عامل تأثير مهم في شوط المباراة الثاني
مع ملاحظة أن ميلان في المجمل لعب قبل برشلونة بيوم كامل
كما أنه لم يتكبد عناء السفر من بلد لآخر
فكان أكثر جاهزية بدنية لمباراة شاقة كهذه




لماذا ظهر برشلونة بهذا الشكل ؟

خلال أسابيع قليلة , لعب برشلونة مباراتين هامتين
الأولى في سانتياغو بيرنابو والثانية في سان سيرو
وفي المرتين كان برشلونة يلعب بصفوف مكتملة
في حين أن الفريق المقابل يعاني من غيابات مؤثرة
ورغم ذلك برشلونة لم يكن يؤدي بالشكل المطلوب
ولم يكن برشلونة الذي اعتدنا عليه خلال السنوات الماضية

وفي المباراتين , كان أداء برشلونة على الأقل
يمكن اعتباره ( مقبولاً ) خلال شوط المباراة الأول
لكنه في المرتين كان يفقد المباراة في شوطها الثاني
وهنا لا نحتاج إلى كثير من الذكاء
لنقول أن مورينيو وأليجري جهزا لفريقيهما خطة بديلة
يتم التحول لها خلال شوط المباراة الثاني
وهو الشوط الذي يحتاج لقرارات حاسمة وتغييرات ذكية
من قبل مدرب أي فريق ليحول كفة التفوق لفريقه
وقياساً بتجربة رورا مساعد مدرب برشلونة
كان بإمكان مورينيو وأليجري أن يصنعا مشاكلاً
يصعب عليه التعامل معها بالشكل المطلوب

برشلونة منذ أدخل فابريجاس في تشكيلته الأساسية
وهو يتخلى عن واحدٍ من أهم أسلحته
وهما جناحيّ الهجوم اللذان بفضل تمركزهما الدائم على طرفي الملعب
يفتحان نطاق اللعب ويجعلان أي منافس
أقل قدرة على ممارسة الضغط المكثف في منطقة ضيقة

وأكاد أجزم أن تغيير فابريجاس بأليكسيس سانشيز
كان مرتب له مسبقاً بالتشاور مع تيتو فيلانوفا
لكن ذلك كان جزءاً من حل المشكلة وليس الحل الكامل لها

برشلونة سيضل يعاني بشكل واضح
حتى يعود تيتو فيلانوفا من رحلته العلاجية
والذي لا يمكن التبنؤ هو أيضاً بقدرته على تقديم شوط ثانٍ أفضل
فلم يكن بانتظاره الكثير من التجارب الصعبة
منذ انطلاقة موسمٍ مميز على مستوى الليجا الإسبانية



الخلاصة . .
ميلان أليجري إنتقل من كونه فريق يتكيف مع حالة فريق بحجم برشلونة
ويلعب وفق ما يفرضه عليه برشلونة من نمط لعب
إلى فريق يخلق المشاكل والأزمات لبرشلونة
ويجبره على اللعب بطريقة يجيدها الميلان ولا يحبها برشلونة

أليجري أجاد في قراءة منافسه
وأجاد في اختيار تكتيك مناسب لفريقه
في حين أن رورا لم يكن على قدر الحدث !

هناك 4 تعليقات:

  1. أخي نزار شهادتي كبرشلوني فيك مجروحه , أنت من الأشخاص الذين تكون شهادتي بهم مجروحه لحياديتهم وقرائتهم لسير المباريات .. حللت المباراة فأصبت وختمت ماطرحته بإختصار ماحدث " في حين أن رورا لم يكن على قدر الحدث " هنا نضع نقطــة كبيــرة ونقول [الف مبروك للميلان] وشُكراً من القلب أخي نزار على هذا الطرح

    ردحذف
    الردود
    1. مرحباً بك سلمان

      شكراً على إطرائك
      وإن شاء الله نكون دائماً على قدر الثقة

      حذف
  2. تحليل منطقي وعقلاني , وبعيد كل البعد عن العاطفة , اغفلت عزل مسي وابعاده عن منطقة الجزاء

    ردحذف
  3. رائع يا نزار ، تحليل فني مميز ..

    اعتقد (الثقة) كانت عامل مهم في نقل قيمة العمل التكتيكي لجرأة فاجأت برشلونة سواء من جهة مورينهو مؤخراً أو أليجري هذه المرة ..

    منظومة العمل الكبير من أليجري بالضغط وغلق المساحات وبنفس الوقت التهديد بالهجمات لا يمكن أن يتحقق الا بتوافق و إنسجام كامل الخطوط ، بالكاد رأينا شيئاً من (تيكي-تاكا) برشلونة ! ما أن يستلم أحدهم الكرة حتى ترى اثنين أو ثلاث من ميلان يحاصرونه ويستخلصون الكرة .

    بالنسبة للنقطة الاخيرة يا نزار ، فابريجاس بالفعل يضيف عمقاً من المنتصف يقلل من فاعلية الهجوم على الاطراف ..

    ردحذف