الأربعاء، 28 مايو 2014

سيناريو أنشيلوتي لنهائي دوري أبطال أوروبا




لا نحتاج للحديث عن أهمية المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا كونها تمثل المباراة الأهم لكل مدرب كرة قدم على مستوى الأندية لكن نهائي لشبونة الذي جمع ريال مدريد و أتلتيكو مدريد اكتسى أهمية أخرى لكارلو أنشيلوتي كونه يجمعه بدييجو سيميوني الذي خسر لمصلحته لقب الدوري بعد أن عجز المدرب الإيطالي في الفوز على المدرب الأرجنتيني في مواجهتي ليجا الموسم المنصرم دون نسيان أن الروخي بلانكوس وصلوا إلى النهائي بعد عرض مقنع أمام برشلونة في كامب نو قبل أسبوع واحد من هذا النهائي مع معرفة تامة من قبل كلا المدربين بالفريق الآخر و صعوبة مباغتة المنافس بشيء لا يمكن توقعه



وقبل الدخول في تفاصيل المباراة لابد من الإشارة إلى أن أنشيلوتي من مدرسة المدربين الذين يكيفون شكل الفريق وفقاً لحالة المنافس كما ظهر أمام البايرن وكما سيظهر في تحليل هذه المباراة وهو على الضد تماماً  مع الصنف الآخر الذي يرى أن فريقه يجب أن يلعب كما يفعل دائماً وأن المنافس هو من عليه أن يفكر في كيفية احتواء فريقه و تزيد هذه الفكرة رسوخاً كلما كان المدرب يملك فريقاً أفضل عناصرياً وأكثر ترشيحاً للفوز وفقاً للأداء ولظروف الفريقين من إصابات و إيقافات ولهذا أنشيلوتي فضل خيار احتواء خطورة أتلتيكو مدريد الهجومية ومن ثم اللعب على تفاصيل دقيقة هجوماً للتسجيل مع صبر كبير وعدم استعجال التسجيل حيث كان يريدها مباراة شحيحة الفرص على الأقل من جانب الفريق المنافس




الشوط الأول







قبل المباراة ذكرت في عدة تغريدات أن أتلتيكو مدريد تحول بنهاية الموسم من فريق ينتظر المنافس في نصف ملعبه ومن ثم يقوم بشن هجمات مرتدة إلى فريق يضغط على منافسه في نصف ملعبه وكان هذا التحول ظاهراً في مبارياته أمام برشلونة وتشيلسي خلال الشهرين الماضيين حيث يبحث سيميوني عن هدفين رئيسيين , الأول قتل هجمات منافسه في مهدها والثاني افتكاك الكرة في منطقة متقدمة يقوده بعد ذلك لتحويلها لفرصة تسجيل وقد نجح هذا الأسلوب بشكل كبير أمام  تشيلسي في ستامفورد بريدج حيث استعاد الكرة 21 مرة في نصف ملعب تشيلسي سواء على شكل قطع أو اعتراض أو استرجاع للكرة أو حتى عبر إجبار لاعبي تشيلسي على القيام بتمريرات خاطئة في ثلث ملعبهم الدفاعي بسبب الضغط الممارس عليهم بينما في مباراة الجولة الأخيرة من الليجا أمام برشلونة كانت فاعلية هذا الضغط أكبر بكثير حيث فقد برشلونة الكرة في نصف ملعبه لمصلحة أتلتيكو مدريد الكرة 41 مرة







سيميوني عمل على تعطيل بناء هجمات ريال مدريد خاصة وهو يعلم أن غياب تشابي ألونسو الذي تنطلق منه معظم الكرات من الخلف للامام حيث كان يحاول باستمرار سدّ منافذ التمرير على المدافعين لحرمانهم من التمرير لمودريتش وسامي خضيرة كما يظهر مع لاعبي قلب الهجوم داخل الدائرة الحمراء بالإضافة لممارسة ضغط على لاعبي الوسط تعبّر عنه الأسهم الصفراء وذلك لحرمان لاعبي وسط ريال مدريد من المساحة والوقت الكافية لاستلام الكرة ومن ثم محاولة صنع كرة خطيرة منها وهو ما يقود في النهاية لخنق المنافس في مناطقه و جعله يعاني للخروج بالكرة من ملعبه







هذه الصورة تمثل نموذجاً للحل الذي أوجده أنشيلوتي للتعامل مع هذه المشكلة وذلك عبر تقسيم الفريق لأربع مجموعات , المجموعة الأولى تتألف من قلبي الدفاع راموس وفاران بالإضافة لسامي خضيرة والتي تمثل خط دفاع ثلاثي للفريق , بينما المجموعة الثانية تتكون من ظهيري الجنب كارفاخال و كوينتراو اللذان يتقدمان للأمام سوياً في المساحة الفارغة على طرفي الملعب , وتتكون المجموعة الثالثة من ثلاثي الهجوم (مشار إليهم بالخطوط الحمراء) الذي يدخل للعمق لإجبار ظهيري أتلتيكو على مراقبتهم وإجبارهم على تفريغ الأطراف التي سيتمركز فيها الظهيرين كارفخال و كوينتراو , بينما تتكون المجموعة الرابعة من مودريتش و دي ماريا اللذان يظهران داخل الدوائر حيث يمكن لهما استلام الكرة بعيداً عن الضغط , كما يملك حامل الكرة فرصة التمرير لأحد الظهيرين الخاليين من الرقابة








هذه الحالة نموذج مشابه لما نتحدث عنه حيث وصلت الكرة إلى دي ماريا من راموس بعيداً عن الضغط الذي قد يفقده إياها ونرى أنه يملك خيار لعبها ككرة عرضية للمهاجمين أو إرجاعها إلى راموس الذي بدوره سينقلها إلى مودريتش أو لكارفاخال المتركز بعيداً على الجانب الآخر , وبالطبع هذا التدوير للكرة لا يمنحك فرصاً عديدة للتسجيل لكنه يقلص من إمكانية فقدانك لها وهو الهدف الذي يريد أن يصل إليه أنشيلوتي لحرمان أتلتيكو مدريد من أهم مفاتيحهم الهجومية والمتمثلة في استغلال كل كرة مقطوعة منك







أحد حلول ريال مدريد لاختراق تنظيم أتلتيكو مدريد الدفاعي كان عبر استخدام فكرة الهروب من دوائر الضغط التي يفرضها أتلتيكو مدريد حيث يتجنب رونالدو تحديداً الوقوع داخل الدائرة الوهمية المشار إليها في الصورة والتي يعد استلام الكرة فيها أكثر عرضة لفقدانها بسبب محاصرتك بما لا يقل عن 4 لاعبين منافسين موزعين على جهات مختلفة , رونالدو كان يعود للخلف لتجنب هذه المحاصرة وحتى لو تواجد فيها فإنه يحاول لعب الكرة من لمسة أو لمستين سريعتين قبل أن يتم تطويقه بلاعبي الفريق المنافس ومجدداً نرى أن الهدف من مثل هذا التصرف هو تقليص فرصة فقدانك للكرة تحت الضغط







عودة رونالدو كانت تقابل بتحركات من دي ماريا وبنزيما للدخول في نفس المساحة ولكن من الخلف للأمام أو من العمق للطرف حيث يمكن للاعب مدريدي أن يستلم الكرة في غفلة من مدافعي أتلتيكو بهدف المباغتة وعليك هنا أن تلاحظ نقطتين هامتين الأولى أن رونالدو لا يقع تحت الضغط المباشرة لأنه استلم الكرة في مساحة كافية بفضل نظام المجموعات الأربع , والثانية أن رونالدو يملك خيار تمرير للخلف متمثل في كوينتراو لا يجعله مجبراً على التمرير للأمام لو تم الضغط عليه أكثر من قبل منافسه وبالتالي يكون حامل الكرة غير مجبر على اختيار خيار خاطئ قد يتحول لهجمة مرتدة على فريقه







أحد حلول أتلتيكو مدريد الهجومية تتمثل في طريقته العمودية للخروج بالكرة من الخلف للأمام والتي سبق التطرق لها في هذه الصورة التوضيحية من مباراة برشلونة حيث يتحرك الأتلتي بشكل عمودي عبر لمسات قصيرة وسريعة العامل الرئيسي لنجاحها يكمن في التحرك دون كرة في المساحات الفارغة








أتلتيكو حاول أن يطبق نفس الفكرة أمام ريال مدريد لكن أنشيلوتي نبّه لاعبيه جيداً لمثل هذه الكرات حيث كان كل تحرك للاعب من أتلتيكو مدريد يصاحبه تحرك من لاعب مدريدي في نفس الاتجاه وكأن كل لاعبي الريال يقرؤون أفكار لاعبي الأتلتي و يحفظون عن ظهر قلب السيناريو المفترض للهجمة بحيث لا يتمكن المهاجم من الوصول للمساحة التي يريدها إلا ولاعب مدريدي بالقرب منه يمنعه من استلامها أو نقلها للاعب الذي يليه







حالة أخرى مشابهة تتميز بالضغط على حامل الكرة و قراءة مبكرة للتحركات العمودية لاعبي أتلتيكو مدريد وتبقى الإشارة فقط أن قطع الكرات عبر الضغط العالي (المرتدات) و التحركات العمودية من الخلف هي حلّين هجوميين من ضمن ثلاثة حلول رئيسية للأتلتي حيث تعتبر الكرات الثابتة خاصة ضربات الزاوية الحل الهجومي الثالث لفريق سيميوني و سبق الإشارة أن أتلتيكو مدريد في الربع الأخير من الدوري – آخر 9 مباريات – سجل 11 هدفاً 6 منها من ضربات رأس تأتي من كرات ثابتة - 5 ضربات زاوية و ركلة حرة واحدة – ورغم أن هدف أتلتيكو مدريد الوحيد أتى من ضربة زاوية لكنه كان بطريقة غير مباشرة و بخطأ فردي من كاسياس لا يمكن تحميله للتنظيم الدفاعي وتكفي الإشارة لأن 9 ضربات زاوية للأتلتي في النهائي لم يصل منها إلا كرة واحدة إلى لاعب من أتلتيكو مدريد في حين أن كل الكرات الأخرى تم إبعادها من قبل لاعبي الريال في حين أن 6 من أصل 8 ركنيات لأتلتيكو في آخر مباراة أمام برشلونة كانت تصل للاعب من الأتلتي وليس للاعب من برشلونة وهو ما يظهر جودة تنظيم الريال الدفاعي





الشوط الثاني









تعتبر الربع ساعة الأولى من الشوط الثاني واحدة من الفترات المحببة للتسجيل عند أتلتيكو مدريد حيث شهدت تسجيل العديد من الأهداف الهامة كهدف دييجو في برشلونة في ذهاب ربع نهائي دوري الأبطال أو هدف كوستا أمام تشيلسي في نصف النهائي أو حتى هدف جودين أمام برشلونة الذي ضمن للأتلتي لقب الليجا , وغالباً ما يدخل سيميوني الشوط الثاني بنية الهجوم والضغط على المنافس في نصف ملعبه خاصة إذا ما كان متقدماً في النتيجة ليبحث عن هدف توسيع للفارق يقتل به آمال المنافس في العودة للمباراة و لمقاومة هذا الضغط كان الريال صبوراً ولم يندفع للهجوم منذ بداية الشوط الثاني وبقي متقارب الخطوط و ملتزماً بالدفاع عن مرماه حتى أن أنشيلوتي لم يبدأ في اجراء أي تغيير قبل مضي 14 دقيقة على انطلاق الشوط الثاني حين بدأ أتلتيكو في التراجع تحت تأثير ضغط ريال مدريد الهجومي







بدخول مارسيلو و إيسكو تحول شكل ريال مدريد الهجومي حيث تولى كارفاخال و دي ماريا (يظهران داخل الدوائر الصفراء) مهمة اللعب على الأجنحة و دخل رونالدو وبيل مع بنزيما للعمق وأصبحت مهمة إدارة الوسط على عاتق مودريتش و إيسكو مع تقدم مستمر من راموس و مارسيلو وفي هذه الفترة زاد الريال من استحواذه على الكرة لكنه لم يجد الكثير من الحلول للوصول إلى مرمى كورتوا لكنه كذلك أحكم سيطرته على اللعب وأرهق أتلتيكو مدريد كثيراً بفضل حسن تدويره للكرة ومنع لاعبي الروخي بلانكوس من خلق فرص للهجوم المرتد







خريطة حرارية  لتحركات مارسيلو منذ نزوله بديلاً لفابيو كوينتراو حيث كان البرازيلي في موقع متقدم مع ميلان للدخول للعمق أكثر من البرتغالي








سيميوني بالمقابل أخرج راؤول جارسيا ودفع بالأرجنتيني سوزا في موقع جناح أيمن وليعود أدريان للوسط ليلعب الأتلتي بـ 4-5-1 تهدف لخلق جدارين دفاعيين أمام حارس مرماه لكن الريال رغم ذلك وجد فرصاً للتسجيل عبر جاريث بيل في مناسبتين تعد الأخطر خلال هذا الشوط مع عدد من الكرات العرضية التي كانت تذهب في الغالب لجودين و ميراندا قبل أن تصل لبنزيما و رونالدو







ريال مدريد حول تركيزه الهجومي للجهة اليسرى حيث كان دي ماريا و مارسيلو يقومان بالتناوب على شغل الجناح الأيسر للفريق وتظهر الصورة أعلاه أماكن هجوم ريال مدريد في الشوط الثاني فقط حيث كانت نسبة 41% من كراته متركزة على الجانب الأيسر حيث استغل أنشيلوتي تفوق مارسيلو على كوينتراو في التوغل والمراوغة في العمق








هدف التعادل الذي أحرزه راموس يشبه إلى حد ما الهدف الذي أحرزه راموس أمام بايرن ميونخ , ففي هذا الهدف يتمركز 5 لاعبين من ريال مدريد داخل منطقة جزاء الأتلتي مقابل 9 لكن لاعبي الريال جميعاً خارج صندوق الستة ولو لاحظت المربع الوهمي ستجد أنه يضم 5 لاعبين من الريال مقابل 5 من أتلتيكو مدريد حيث يتساوى العدد في المنطقة المستهدفة التي سيرسل مورديتش الكرة إليها وبالتالي لا يستفيد أتلتيكو مدريد من بقية لاعبيه المتواجدين داخل منطقة الستة , وبعد رفع الكرة يتقدم رونالدو و بيل للقائم الأول ليسحبا معهما مدافع أو مدافعين ليتم تفريغ موقعهما لينطلق إليه راموس حيث يحاول أن يسبق المدافع بخطوة ليتمكن من الوصول للكرة قبله ومن ثم ركنها في الشباك






الأشواط الإضافية





لسوء حظ سيميوني فإن آخر ما كان يحتاج إليه أن تذهب المباراة لأشواط إضافية نظراً لأن لياقة لاعبيه استنزفت بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة من الليجا ويمكن القول أن الريال مدين بالفضل للأندية التي عطلت أتلتيكو في الليجا وجعلته يقاتل حتى آخر ثانية للفوز بها وهو ما أرهق اللاعبين بشكل واضح وتسبب في فقدان جهود لاعبين مهمين مثل أردا توران و دييجو كوستا , وبفضل الحالة البدنية الجيدة لريال مدريد تمكن من مواصلة سيطرته على اللعب و محاصرة الأتلتي في نصف ملعبه معظم الوقت خلال الأشواط الإضافية لتتدخل القدرات الفردية للاعب مثل دي ماريا في منح الريال هدف الفوز بعد مجهود رائع توجه جاريث بيل بهدف منح الريال عملياً لقب البطولة كما يظهر في الصورة التي ترسم سيناريو الهدف وكيف أن دي ماريا راوغ و قطع تلك المسافة في وقت لم تعد فيه أقدام لاعبي أتلتيكو تقوى على الجري بنفس السرعة ولك أن تتخيل أن لاعبي أتلتيكو مدريد نجحوا في تمرير 40 كرة صحيحة خلال الشوطين الإضافيين مقابل 122 لريال مدريد وهو دليل على توقف لاعبيه عن الركض بسبب الانهيار الواضح للفريق لياقياً






أخيراً و كمحصلة عامة يمكن القول أن ريال مدريد كان موفقاً بالتسجيل في دقائق المباراة الأخيرة لكنه استحق الفوز واستحق أنشيلوتي هذا اللقب لأنه نجح في إبطال خطورة أتلتيكو مدريد الذي سدد طوال المباراة 4 مرات فقط داخل إطار مرمى الريال ونجح كذلك في خلق فرص للتسجيل أهدرها جاريث بيل وأنخيل دي ماريا كهذه الفرصة التي تأخر الأرجنتيني في تمريرها حتى أعاقه جارسيا رغم أنه كان يمكن تمريرها لثلاثة لاعبين من الريال قادرين على تسجيلها  وفي ظني أن نجاح أنشيلوتي في المباراة النهائية يُكمل له نجاحين هامين هذا الموسم حيث تمكن من التفوق في كل أدوار خروج الملغوب التي لعبها في الكأس وفي دوري الأبطال ونجح كذلك في تحويل ريال مدريد من فريق عاجز أمام دفاع أتلتيكو مدريد كما حدث في مباراة ذهاب الليجا إلى فريق يُسجل 11 هدفاً في آخر 4 مباريات أمام دفاع دييجو سيميوني , كارلو أنشيلوتي وجد للريال حلاً أمام الأندية التي تخنقه بالضغط العالي مثل بروسيا دورتموند وأتلتيكو مدريد و وجد الحل أمام الأندية ذات الاستحواذ العالي مثل برشلونة وبايرن ميونخ ولذلك يمكن القول أن كارلو نجح بنسبة كبيرة في موسمه الأول كمدرب للريال خاصة في ما يتعلق بحسن إدارته للمباريات الإقصائية




هناك تعليق واحد:

  1. يعطيك العافيه.. تحلليل اكثر من رائع.. واستمتع جدا جدا في قرأة تحاليلك..

    ردحذف